الأَمرُ
الأَمثلةُ:
(1) من رسالة لعليّ رضي الله عنه بعث بها إِلى ابن عَباس وكان عاملا بمكة :
"أَمَّا بَعْدُ، فَأَقِمْ لِلنَّاسِ الْحَجَّ، وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ ، وَاجْلِسْ لَهُمُ الْعَصْرَيْنِ ، فَأَفْتِ الْمُسْتَفْتِيَ، وَعَلِّمِ الْجَاهِلَ، وَذَاكِرِ الْعَالِمَ، وَلاَ يَكُنْ لَكَ إِلَى النَّاسِ سَفِيرٌ إِلاَّ لِسَانُكَ، وَلاَ حَاجِبٌ إِلاَّ وَجْهُكَ، وَلاَ تَحْجُبَنَّ ذَا حَاجَة عَنْ لِقَائِكَ بِهَا، فَإِنَّهَا إِنْ ذِيدَتْ عَنْ أَبْوَابِكَ في أَوَّلِ وِرْدِهَا لَمْ تُحْمَدْ فيَِما بَعْدُ عَلَى قَضَائِهَا.
وَانْظُرْ إِلَى مَا اجْتَمَعَ عِنْدَكَ مِنْ مَالِ اللهِ فَاصْرِفْهُ إِلَى مَنْ قِبَلَكَ مِنْ ذَوِي الْعِيَالِ وَالْمَجَاعَةِ، مُصِيباً بِهِ مَوَاضِعَ المَفَاقِرِ وَالْخَلاَّتِ ، وَمَا فَضَلَ عَنْ ذلِكَ فَاحْمِلْهُ إِلَيْنَا لِنَقْسِمَهُ فِيمَنْ قِبَلَنَا.
وَمُرْ أَهْلَ مَكَّةَ أَلاَّ يَأْخُذُوا مِنْ سَاكِن أَجْراً، فَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ: (سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ) فَالْعَاكِفُ: الْمُقيِمُ بِهِ، وَالْبَادِي: الَّذِي يَحُجُّ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ.
وَفَّقَنَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ لَِمحَابِّهِ ، وَالسَّلاَمُ."
(2) وقال تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (29) سورة الحـج.
(3) وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (105) سورة المائدة.
(4) وقال: . {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ..(23) سورة الإسراء
(5) وقال أَبو الطيب في مدح سيف الدولة :
كَذا فَلْيَسْرِ مَن طَلَبَ الأعادي وَمثلَ سُراكَ فَليَكُنِ الطِّلابُ
(6) وقال يخاطبه :
أزِلْ حَسَدَ الحُسّادِ عَنّي بكَبتِهمْ فأنتَ الذي صَيّرْتَهُمْ ليَ حُسّدَا
(7) وقال امرؤ القيس :
قِفَا نَبْكِ من ذِكْرَى حَبيبٍ وَمَنْزِلِ بِسقْطِ اللَّوَى بَيْنَ الدَّخُولٍ فَحَوْمَلِ
( وقال أَيضاً :
أَلا أَيُّها اللّيلُ الطّويلُ ألا انْجَلِ ... بِصُبْحٍ، وما الإصْبَاحُ مِنْكَ بِأَمْثَلِ
(9) وقال البحتري :
فمَن شاءَ فَليَبخُلْ، وَمن شاءَ فليَجُد، كَفاني نَداكمْ من جَميعِ المَطالبِ
(10) وقال أَبو الطيب :
عِشْ عزيزاً أوْ مُتْ وَأنتَ كَرِيمٌ بَينَ طَعْنِ القَنَا وَخَفْقِ البُنُودِ
(11) وقال آخر :
أروني بخيلاً طالَ عُمْرًا ببُخْلِهِ …وَهَاتُوا كَريماً مَاتَ مِنْ كثْرَةِ البَذلِ
(12) و قال غيره :
إِذا لَمْ تَخْشَ عاقِبةَ اللّيالي ولمْ تَسْتَحْي فاصْنَعْ ما تشاءُ
(13) وقال تعالى: {.. وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ ..} (187) سورة البقرة.
البحثُ:
إذا تأملت أَمثلة الطائفة الأولى رأيت كلاًّ منها يشتمل على صيغةٍ يُطْلب بها على وجه التكليف والإلزام حصول شيء لم يكن حاصلاً وقت الطلب. تم إذا أَنعمت النظر رأيت طالب الفعل فيها أعظم و أعلى ممن طُلِب الفعل منه. وهذا هو الأمر الحقيقي ،وإِذا تأَملت صِيغَتَهُ رأَيتها لا تخرج عن أَربع: هي فعل الأمر كما في المثال الأول والمضارع المقرون بلام الأمر كما في المثال الثاني ،واسم فعل الأمر كما في المثال الثالث. و المصدر النائب عن فعل الأمر كما في المثال الرابع.
انظر إذاً إِلى الطائفة الثانية تجد أَن الأمر في جميعها لم يستعمل في معناه الحقيقي وهو طلب الفعل من الأَعلَى للأدنى على وجه الإِيجاب والإِلزام، وإِنما يدل على معان أخرى يُدركها السامع من السياق و قرائن الأحوال.
فأَبو الطيب في المثال الخامس لا يريد تكليفاً ولا يقصد إِلى إِلزام. وإِنما ينصح لمن ينافسون سيف الدولة ويرشدهم إلى الطريق المثلى في طلب المجد وكسب الرفعة. فالأَمر هنا للنصح و الإِرشاد لا للإِيجاب والإلزام.
وصيغة الأَمر في المثال السادس لا يُراد بها معناها الأصلي، لأن المتنبي يخاطب مليكه، والمليك لا يأمره أَحد من شعبه . وإِنما يراد بها الدعاء، وكذلك كل صيغة للأَمر يُخاطِبُ بها الأَدنى من هو أَعلى منه منزلة وشأناً.
وإذا تدبرت المثال السابع وجدت امرأَ القيس يتخيَّل صاحبين يستوقفهما ويستبكيهما جرياً على عادة الشعراء، إذ يتخيل أحدهم أَن له رفيقين يصطحبانه في غدُوِّهِ ورواحه، فيوجه إليهما الخطاب، و يفضي إليهما بسرِّه و مكنون صدره، بصيغة الأمر إِذا صدرت من رفيق لرفيقه أو من ندٍّ لِنِدِّه لم يُرد بها الإيجاب والإلزام. وإنما يراد بها محض الالتماس.
و امرؤ القيس في المثال الثامن لم يأمر الليل ولم يكلفه شيئاً، لأنَّ الليل لا يسمع ولا يطيع، وإنما أرسل صيغة الأَمر وأَراد بها التمني.
وإذا تدبرت الأمثلة الباقية و تعرفت سياقها وأحطْت مما يكنُفها من قرائن الأحوال أَدركت أَن صيغ الأمر فيها لم تأت للدلالة على المعنَى الأصلي: وانما جاءت لتفيد التخيير، والتسوية، والتعجيز، والتهديد والإِباحة على الترتيب.
القواعدُ:
(37) الأمر طَلَبُ الْفِعْل على وجْهِ الاِسْتِعْلاء.
(38) لِلأَمْر أَرْبَعُ صِيَغٍ: فِعْلُ الأمر، والْمُضَارعُ المقرونُ بلام الأَمْر ،واسمُ فِعْل الأَمْر، والمَصْدرُ النَّائِبُ عَنْ فِعْل الأَمْر.
(39) قَدْ تَخْرُجُ صِيغ الأَمْر عَنْ مَعْناها الأصليِّ إِلى مَعانِ أُخْرَى تُسْتفادُ مِنْ سِياق الكلام، كالإِرشَادِ، والدّعاءِ، والالْتماس، و التمني، والتَّخْيير والتَّسْوية و التَّعْجيزِ، والتَّهْديدِ، والإِباحةِ.
نموذجٌ
لبيانِ صيغ الأمر وتعيين المراد من كل صيغة فيما يأتي:
(1) قال تعالى خطاباً ليحيى عليه السلام: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} (12) سورة مريم.
(2) قال الأرجانيُّ :
شاوِرْ سَواكَ إِذا نابَتْكَ نائبةٌ ... يوماً وإنْ كنتَ منْ أهلِ المَشوراتِ
(3) وقال أبو العتاهية :
واخفِضْ جناحكَ إِن مُنِحْتَ إمَارةً …وارْغَبْ بنَفسِكَ عن رَدَى اللذات
(4)وقال أبو العلاء :
فيا موت زُرْ إِنَّ الحَياةَ ذَمِيمةٌ …ويَا نَفْسُ جدِّي إنَّ دهْرَكِ هازلُ
(5) وقال آخر :
أرِيني جَواداً ماتَ هَزْلاً، لَعَلّني أرَى ما تَرَينَ، أوْ بَخيلاً مُخَلَّدا
(6) وقال خالد بن صفْوَان ينصح ابنه:دع مِنْ أعمال السر ما لا يَصْلحُ لكَ في العلانيَةِ .
(7) و قال بشار بن بُرد :
إذا كنتَ في كُلِّ الأُمُورِ مُعاتِباً ... صَدِيقَكَ، لم تَلْقَ الذي لا تُعاتِبُهْ
فعِشْ واِحداً، أو صِلْ أخاك، فإنَّهُ ... مُقارِفُ ذَنْبٍ تارَةً ومُجانِبُهْ
( و قال تعالى: {وَجَعَلُواْ لِلّهِ أَندَادًا لِّيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ} (30) سورة إبراهيم.
(9) و قال أبو الطيب يخاطب سيف الدولة :
أذا الجُودِ أعْطِ النّاسَ ما أنتَ مالكٌ وَلا تُعْطِيَنّ النّاسَ ما أنَا قائِلُ
(10) و قال قطري بن الفُجَاءَة يخاطب نفسه :
فَصَبْراً في مَجالِ المَوْتِ صَبْراً ... فَما نَيْلُ الخُلُودِ بِمُسْتَطاعِ
الأَمثلةُ:
(1) من رسالة لعليّ رضي الله عنه بعث بها إِلى ابن عَباس وكان عاملا بمكة :
"أَمَّا بَعْدُ، فَأَقِمْ لِلنَّاسِ الْحَجَّ، وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ ، وَاجْلِسْ لَهُمُ الْعَصْرَيْنِ ، فَأَفْتِ الْمُسْتَفْتِيَ، وَعَلِّمِ الْجَاهِلَ، وَذَاكِرِ الْعَالِمَ، وَلاَ يَكُنْ لَكَ إِلَى النَّاسِ سَفِيرٌ إِلاَّ لِسَانُكَ، وَلاَ حَاجِبٌ إِلاَّ وَجْهُكَ، وَلاَ تَحْجُبَنَّ ذَا حَاجَة عَنْ لِقَائِكَ بِهَا، فَإِنَّهَا إِنْ ذِيدَتْ عَنْ أَبْوَابِكَ في أَوَّلِ وِرْدِهَا لَمْ تُحْمَدْ فيَِما بَعْدُ عَلَى قَضَائِهَا.
وَانْظُرْ إِلَى مَا اجْتَمَعَ عِنْدَكَ مِنْ مَالِ اللهِ فَاصْرِفْهُ إِلَى مَنْ قِبَلَكَ مِنْ ذَوِي الْعِيَالِ وَالْمَجَاعَةِ، مُصِيباً بِهِ مَوَاضِعَ المَفَاقِرِ وَالْخَلاَّتِ ، وَمَا فَضَلَ عَنْ ذلِكَ فَاحْمِلْهُ إِلَيْنَا لِنَقْسِمَهُ فِيمَنْ قِبَلَنَا.
وَمُرْ أَهْلَ مَكَّةَ أَلاَّ يَأْخُذُوا مِنْ سَاكِن أَجْراً، فَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ: (سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ) فَالْعَاكِفُ: الْمُقيِمُ بِهِ، وَالْبَادِي: الَّذِي يَحُجُّ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ.
وَفَّقَنَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ لَِمحَابِّهِ ، وَالسَّلاَمُ."
(2) وقال تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (29) سورة الحـج.
(3) وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (105) سورة المائدة.
(4) وقال: . {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ..(23) سورة الإسراء
(5) وقال أَبو الطيب في مدح سيف الدولة :
كَذا فَلْيَسْرِ مَن طَلَبَ الأعادي وَمثلَ سُراكَ فَليَكُنِ الطِّلابُ
(6) وقال يخاطبه :
أزِلْ حَسَدَ الحُسّادِ عَنّي بكَبتِهمْ فأنتَ الذي صَيّرْتَهُمْ ليَ حُسّدَا
(7) وقال امرؤ القيس :
قِفَا نَبْكِ من ذِكْرَى حَبيبٍ وَمَنْزِلِ بِسقْطِ اللَّوَى بَيْنَ الدَّخُولٍ فَحَوْمَلِ
( وقال أَيضاً :
أَلا أَيُّها اللّيلُ الطّويلُ ألا انْجَلِ ... بِصُبْحٍ، وما الإصْبَاحُ مِنْكَ بِأَمْثَلِ
(9) وقال البحتري :
فمَن شاءَ فَليَبخُلْ، وَمن شاءَ فليَجُد، كَفاني نَداكمْ من جَميعِ المَطالبِ
(10) وقال أَبو الطيب :
عِشْ عزيزاً أوْ مُتْ وَأنتَ كَرِيمٌ بَينَ طَعْنِ القَنَا وَخَفْقِ البُنُودِ
(11) وقال آخر :
أروني بخيلاً طالَ عُمْرًا ببُخْلِهِ …وَهَاتُوا كَريماً مَاتَ مِنْ كثْرَةِ البَذلِ
(12) و قال غيره :
إِذا لَمْ تَخْشَ عاقِبةَ اللّيالي ولمْ تَسْتَحْي فاصْنَعْ ما تشاءُ
(13) وقال تعالى: {.. وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ ..} (187) سورة البقرة.
البحثُ:
إذا تأملت أَمثلة الطائفة الأولى رأيت كلاًّ منها يشتمل على صيغةٍ يُطْلب بها على وجه التكليف والإلزام حصول شيء لم يكن حاصلاً وقت الطلب. تم إذا أَنعمت النظر رأيت طالب الفعل فيها أعظم و أعلى ممن طُلِب الفعل منه. وهذا هو الأمر الحقيقي ،وإِذا تأَملت صِيغَتَهُ رأَيتها لا تخرج عن أَربع: هي فعل الأمر كما في المثال الأول والمضارع المقرون بلام الأمر كما في المثال الثاني ،واسم فعل الأمر كما في المثال الثالث. و المصدر النائب عن فعل الأمر كما في المثال الرابع.
انظر إذاً إِلى الطائفة الثانية تجد أَن الأمر في جميعها لم يستعمل في معناه الحقيقي وهو طلب الفعل من الأَعلَى للأدنى على وجه الإِيجاب والإِلزام، وإِنما يدل على معان أخرى يُدركها السامع من السياق و قرائن الأحوال.
فأَبو الطيب في المثال الخامس لا يريد تكليفاً ولا يقصد إِلى إِلزام. وإِنما ينصح لمن ينافسون سيف الدولة ويرشدهم إلى الطريق المثلى في طلب المجد وكسب الرفعة. فالأَمر هنا للنصح و الإِرشاد لا للإِيجاب والإلزام.
وصيغة الأَمر في المثال السادس لا يُراد بها معناها الأصلي، لأن المتنبي يخاطب مليكه، والمليك لا يأمره أَحد من شعبه . وإِنما يراد بها الدعاء، وكذلك كل صيغة للأَمر يُخاطِبُ بها الأَدنى من هو أَعلى منه منزلة وشأناً.
وإذا تدبرت المثال السابع وجدت امرأَ القيس يتخيَّل صاحبين يستوقفهما ويستبكيهما جرياً على عادة الشعراء، إذ يتخيل أحدهم أَن له رفيقين يصطحبانه في غدُوِّهِ ورواحه، فيوجه إليهما الخطاب، و يفضي إليهما بسرِّه و مكنون صدره، بصيغة الأمر إِذا صدرت من رفيق لرفيقه أو من ندٍّ لِنِدِّه لم يُرد بها الإيجاب والإلزام. وإنما يراد بها محض الالتماس.
و امرؤ القيس في المثال الثامن لم يأمر الليل ولم يكلفه شيئاً، لأنَّ الليل لا يسمع ولا يطيع، وإنما أرسل صيغة الأَمر وأَراد بها التمني.
وإذا تدبرت الأمثلة الباقية و تعرفت سياقها وأحطْت مما يكنُفها من قرائن الأحوال أَدركت أَن صيغ الأمر فيها لم تأت للدلالة على المعنَى الأصلي: وانما جاءت لتفيد التخيير، والتسوية، والتعجيز، والتهديد والإِباحة على الترتيب.
القواعدُ:
(37) الأمر طَلَبُ الْفِعْل على وجْهِ الاِسْتِعْلاء.
(38) لِلأَمْر أَرْبَعُ صِيَغٍ: فِعْلُ الأمر، والْمُضَارعُ المقرونُ بلام الأَمْر ،واسمُ فِعْل الأَمْر، والمَصْدرُ النَّائِبُ عَنْ فِعْل الأَمْر.
(39) قَدْ تَخْرُجُ صِيغ الأَمْر عَنْ مَعْناها الأصليِّ إِلى مَعانِ أُخْرَى تُسْتفادُ مِنْ سِياق الكلام، كالإِرشَادِ، والدّعاءِ، والالْتماس، و التمني، والتَّخْيير والتَّسْوية و التَّعْجيزِ، والتَّهْديدِ، والإِباحةِ.
نموذجٌ
لبيانِ صيغ الأمر وتعيين المراد من كل صيغة فيما يأتي:
(1) قال تعالى خطاباً ليحيى عليه السلام: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} (12) سورة مريم.
(2) قال الأرجانيُّ :
شاوِرْ سَواكَ إِذا نابَتْكَ نائبةٌ ... يوماً وإنْ كنتَ منْ أهلِ المَشوراتِ
(3) وقال أبو العتاهية :
واخفِضْ جناحكَ إِن مُنِحْتَ إمَارةً …وارْغَبْ بنَفسِكَ عن رَدَى اللذات
(4)وقال أبو العلاء :
فيا موت زُرْ إِنَّ الحَياةَ ذَمِيمةٌ …ويَا نَفْسُ جدِّي إنَّ دهْرَكِ هازلُ
(5) وقال آخر :
أرِيني جَواداً ماتَ هَزْلاً، لَعَلّني أرَى ما تَرَينَ، أوْ بَخيلاً مُخَلَّدا
(6) وقال خالد بن صفْوَان ينصح ابنه:دع مِنْ أعمال السر ما لا يَصْلحُ لكَ في العلانيَةِ .
(7) و قال بشار بن بُرد :
إذا كنتَ في كُلِّ الأُمُورِ مُعاتِباً ... صَدِيقَكَ، لم تَلْقَ الذي لا تُعاتِبُهْ
فعِشْ واِحداً، أو صِلْ أخاك، فإنَّهُ ... مُقارِفُ ذَنْبٍ تارَةً ومُجانِبُهْ
( و قال تعالى: {وَجَعَلُواْ لِلّهِ أَندَادًا لِّيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ} (30) سورة إبراهيم.
(9) و قال أبو الطيب يخاطب سيف الدولة :
أذا الجُودِ أعْطِ النّاسَ ما أنتَ مالكٌ وَلا تُعْطِيَنّ النّاسَ ما أنَا قائِلُ
(10) و قال قطري بن الفُجَاءَة يخاطب نفسه :
فَصَبْراً في مَجالِ المَوْتِ صَبْراً ... فَما نَيْلُ الخُلُودِ بِمُسْتَطاعِ
الأربعاء مارس 24, 2021 8:58 am من طرف nour
» اعراب الدعاء
الأحد أبريل 26, 2020 8:43 pm من طرف معاد ريان
» التاء المربوطة والتاء المبسوطة
السبت أبريل 18, 2020 10:02 pm من طرف nour
» تنوين الاسم المقصور والمنقوص والممدود وإعرابه
السبت أبريل 11, 2020 8:58 pm من طرف nour
» الألف اللينة مقصورة وممدودة
الأربعاء أبريل 08, 2020 11:46 pm من طرف nour
» لمصر ام لربوع الشام
الإثنين أبريل 06, 2020 5:14 am من طرف Bbttm
» الهمزة المتطرفة
الأحد أبريل 05, 2020 9:04 pm من طرف nour
» الهمزة المتطرفة
الأحد أبريل 05, 2020 9:03 pm من طرف nour
» التعجب: تعريفه، صيغه، شروط فعلي التعجب.
الأحد أبريل 05, 2020 10:05 am من طرف nour